بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا في الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أََنَّهُ الحَقٌّ ﴾
أنواع الرياح في القرآن الكريم
هناك فرق بين الرياح والريح، وهو أن الرياح مقرونة بالطيب والريح مقرونة بالعذاب، ولكن في قول الله تعالى ﴿ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ في الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ﴾ لماذا ذكر لفظ الريح ولم يذكر لفظ الرياح مع أنها طيبة؟
فنقول إن هذه الريح الطيبة مرتبطة بعذاب بعدها مباشرة،
وكأنها تعبر عن الهدوء الذي يسبق العاصفة، فيبدو الهدوء ظاهرا وإذا به
يخبيء عذابا ودمارا، وهـذا ما يتضح عند تكملة الآية ﴿ وَفَرِحُوا بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمْ المَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ﴾.
أما عن وظائف الرياح النافعة فيقول الله جل شأنه
﴿ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً فَالحَامِلاتِ وِقْراً فَالجَارِيَاتِ يُسْراً فَالمُقَسِّمَاتِ أَمْراً ﴾،
فالذاريات هي الرياح التي تذروا التراب والماء ذروا وتثيره وتحركه فيتناثر
الغبار أو الضباب، ثم تسلمه لرياح أخرى كالرياح اللواقح أو الحاملات،
فالحاملات وقرا هي الرياح التي تحمل السحب الثقيلة وترسلها حيث يشاء الله تعالى،
أما الجاريات يسرا فهي الرياح التي تجري بالسحب بيسر
وليسر، حيث بركات الله تنزل من خلالها فتقسم الرحمة على الأرض ولذلك وصفت
أخيرا بالمقسمات أمرا،
وتدل دقة هذا الوصف على عظمة الخالق جل شأنه، بأن سخر هذه الرياح لخدمة المخلوقات على وجه الأرض.
يتواجد التيار النفاث في الطبقات العليا من الغلاف
الجوي والذي ينحصر بين ارتفاعي 5 – 8 أميال عن سطح الأرض وتصل درجة حرارة
الرياح فيه أكثر من خمسين درجة مئوية تحت الصفر، والطبقة التي فوقها تكون
رياحها أقل سرعة، إذ تبدأ سرعة الرياح فيها بالنقصان تدريجيا، والمهم في
هذه النقطة أن يرسل الله من هذه الريح الشديدة جنديا إلى منطقة ما ليدمر
ما يشاء ويدع ما يشـاء، وهذا ما ذكره ربنا في القرآن الكريم ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ ﴾، ويتأكد العلم من أن هناك ريحا عاصفة موجودة وليست وهمية تدور حول الأرض، وهذا ما سبق للقرآن أن ذكره،
ثم الريح العاصفة هي جزء من تلك المرابطة هناك، وهناك
جنود لله في تلك الرياح تتسبب في ريح أشد من العاصفة، سماها القرآن
بالحاصب، وهي الريح الشديدة التي تثير الرمال والحصى في طريقها وهي تضرب
بالأرض، فيقول تعالى
﴿ أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً ﴾،
وهناك أيضا ريح مجندة أقوى سماها القرآن الكريم
بالصرصر، وهي الريح الشديدة العصف التي تكسر المداخن وتقتلع الأشجار وما
شابه، وهذا ما ذكره القـرآن الكـريم ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ ﴾،
ثم إن هناك ريح مجندة من الله أعلى وأعتى سميت في
القرآن الكريم بالقاصف، وهي الريح التي تقصف وتدمر كل ما يعترضها، وفيها
يقول تعالى ﴿ أَمْ
أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ
قَاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ﴾،
وهناك ما هو أشد وأشد سماها القرآن الكريم بالريح
الصرصر العاتية، وهي التي تدمر المدن والقرى بأكملها دفعة واحدة، ذكرت في
قوله تعالى ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾،
وهناك ما هو الأكثر دمارا على الإطلاق، ولكنه غالبا ما
يكون على البحار، وينشيء أمواجا عالية الارتفاع تغرق ما يقابلها من سفن أو
شواطيء أو موانيء أو مدنا ساحلية، وعادة ما يصاحب هذه الريح السحب السوداء
المليئة بالشحنات الكهربائية ذي الطاقة الهائلة والمتواصلة، حتى تبدوا
وكأن هناك نارا مشتعلة داخلها لكثرة البرق والرعد، وهذا كاسح ومحرق وصفه
القرآن الكريم فقال ﴿فَأَصَابَهَآإِعْصَارٌفِيهِنَارٌفَاحْتَرَقَتْ﴾.
إننا الآن نعلم أن لله جنودا تحيط بالكون من كل مكان تنتظر الأمر الإلهي لتنفذ العذاب ولتحق الحق وتبطل الباطل، ولكن هل منا من يعتبر.