يدعي أهالي تلمسان إن تاريخهم يعود إلى ماض بعيد وأن بلدهم هو الذي شهد رحلة
الخضر وموسى وأن بها جداراً هو ذلك الجدار الذي أقامه
الخضر عليه السلام. ·· ولكن ابن خلدون يعترض على هذا الإدعاء، ويعتبر هذا السور المزعوم أسطورة من صنع أهالي تلمسان والذين فطروا علي التحيز لمدينتهم وتمجيدهم لمسقط رأسهم والعلوم التي يدرسونها كما أنهم يفتخرون بالمهن التي يمارسونها
[1] ولكن هذا لا يمنع من أن تلمسان شكلت بمكانها وحضوتها مطمعا لأكثر من 13 أمة وغازيا.
منذ عهود ما قبل التاريخ، عاش البشر في كهوف بمنطقة القلعة العليا وبودغن لعدة قرون تحت هضبة لالة ستي. وكانت المنطقة بالقرب من تلمسان مأهولة بالسكان منذ العصر الحجري، كما يتضح من اكتشاف في 1875 من قبل ج. بلايتشر G. Bleicher آثار قديمة منها معاول مصقولة في كهوف بودغن تعود إلى العهد الحجري. حيث اسوطنت لما يقرب من مائة كهف والتي تعرف باسم- قلعة المارجدية- Tameradit
تامراديت.
[2] أما في عام 1941 قام السيد ايستاوني M. Estaunié بالعثور في باب القرمادين على صاقلة للحجر رائعة تعود كذلك للعصر الحجري وهي حاليا في
المتحف المدينة [3]. كمااكتشفت في الكهوف في الهضبة لالة ستي قرية بني بوبلان. مواقع أثرية غنية تتكون من مجموعة 2000 قطعة يعود تاريخها إلى العصر الحجرى المتوسط ومختلطة مع عظام بشرية.
[4]إن تاريخ
تلمسان لم يبدأ كما ذكره أبادي
[4].في القرن الثالث للميلاد مع الاحتلال
الروماني، لأنه من الصعب الاعتقاد بأن هذه المدينة الغنية والاستراتيجية، والتي سميت ب "أغادير" (القلعة باللغة البربرية)، لم تكن واحدة من المدن القوية في موريتانيا القيصرية وإمبراطورية
صيفاقس،
وماسينيسا ويوغرطا.
- في سنة 201، أسس أول مركز عسكري روماني على صخرة تطل على سهل شتوان بـ7 هكتارات وسمي ببوماريا Pomaria " وهي كلمة لاتينية بمعنى "البساتين"، إشارة للأراضي المخضرة المهيمنة على المنطقة. ليشكل نقطة ولادة مدينة ستلعب دورا مهما حيث تمركز مجموعة من السكان والتجار فبنو مسكانهم على الحواف الجنوبية لقلعة بوماريا. ولتصبح بوماريا معسكرا رومانيا ثابتا، وكما كانت تبنى المعسكرات الرومانية كان لها أربعة أبواب على شكل مستطيل, الباب الأول أو الباب البريتوري نحو الشرق والباب الثاني نحو الغرب ويسمى بالباب الديكومي. زائد بابان على الناحتين المتبقيتين. كما كان للمدينة سورا يحيط بها، ومركزا للقيادة، وسوقا وكان لها أيضا مخزنا للأسلحة والموارد الثمينة. كما لعبت المدينة دورا دينيا كبيرا حيث أصبحت مقرا لأبرشية الأسقف الكاثوليكي. حيث اشتهر من خلال تدخلات اسقفها لوجيونيس بوماريانسيس الذين شارك في العديد من المجالس وانتهى به المطاف بعد رحلات الذهاب والإياب بأن قتل في إحداها.
واعتبرت هته القلعة العسكرية بمثابة الخط الأخير للدفاع عن الأراضي الخاضعة
لروما كما اعتبرت نقطة التقاء للجحافل الرومانية المتوجه نحو موريتانيا التنجيتانية.
كماأن موقع هذه المدينة جعل منها مقترق طرق ما بين طريقين مهمين في هذا العصر : الأول يربط ألبولاي Albulae (
عين تموشنت) ويؤدي نحو ميناءي بورتوس ديفينيس Portus Divini (
وهران والمرسى الكبير)، والثاني سيقا (سيق) (عاصمة إمبراطورية
صيفاقس) ومرفقها البحري عند مصب وادي التافنة (
رشقون).
بوماريا، هذه المدينة القديمة التي تقع شرق
تلمسان الحالية، لا نعرف حدودها حيث أصبحت تحتلها اليوم الحدائق والمساكن والعمارات وكذلك محطة السكك الحديدية. ومع ذلك، فإن بعض الأحجار المنحوتة والتي أعيد استخدامها في المباني هي كل ما تبقى من تلك البيوت الجميلة والآثار العامة والتي كانت تفتخر بها تلك المدينة. والتي أعيد استعمالها كقاعدة لمئذنة مسجد أغادير العتيق والتي لا تزال موجودة حتى الآن، ولتعطينا بنقوشها اللاتينية بعض المعلومات عن نشوء هته المدينة. خلال القرنين الخامس والسادس، بوماريا لم تعد جزءا من روما، وتغيرت تبعيتها مرتين. في 429، تحت سلطة ملك
الوندال جينزريك القادم من أسبانيا، والذي قام بموطئ قدم على الساحل المغربي، وبعد عشر سنوات دخل
قرطاج. وبعد مائة عام، الإمبراطور
جيستينيان أرسل من
القسطنطينية جيشا بقيادة بيليساريوس الذي أخرج من دون جهد يذكر البلاد من سلطة الوندال. هؤلاء الأسياد الجدد قد أعادوا إلى المنطقة التقاليد الرومانية كما ادخلوا المنطقة إلى المسيحية ليضعوا حدا للهرطقة الآرية التي فرضها الوندال على أهالي المنطقة. عانت بوماريا من الاضطرابات والفوضى التي قام بها. 80،000 الوندالي. واحدة من عصاباتهم شوهدت في ألتافا على بعد 30 كم من تلمسان. ولم تسلم بوماريا من الدمار.
[5]ولكن الاحتلال البيزنطي بقي متمركزا في وسط الجزائر دون سيطرة حقيقية على المناطق الغربية للبلاد. أين بقيت تلك المنطقة تحت سلطة ملوك برابرة، كما حوت المدينة خليطا من مختلف الديانات : الوثنيين واليهود والمسيحيين.
[5