نقطة البداية فى ليبيا حيث ساحة السلام فى بنغازى التى تعرض فيها آلاف السيارات التى تنتظر تهريبها إلى مصر ومنها إلى غزة
فيما
كانت الشوارع والميادين تحتشد بالغاضبين، وأقسام الشرطة تحترق، والزنازين
تنفتح، والخارجون على القانون يفرضون قوانين البلطجة، ورجال النظام السابق
يدخلون السجون تباعاً، والمواطنون الذين نسميهم الأغلبية الصامتة يحاولون
حماية منازلهم ويحتمون بها فى الوقت نفسه.. من رحم هذا كله تولدت تجارة
جديدة رابحة مثل تلك الأنشطة التى تظهر عادة فى أزمنة الحروب والكوارث،
وهى تهريب السيارات من مصر وليبيا إلى قطاع غزة.
عبر طرق ومدقات
صحراوية، خاضت «المصرى اليوم» مغامرة مثيرة بين 3 دول عربية، بحثا عن ذلك
العالم الغامض الذى ولد فجأة خلال ربيع الثورات العربية، محاولة كشف غموض
ظاهرة سرقة وتهريب السيارات.. سماسرة وتجار ومهربون ووسطاء ومشترون وحيل
جديدة وغريبة، أسفرت عن تهريب ما يزيد على 28 ألف سيارة مسروقة إلى غزة
استغلالاً لحالة الانفلات الأمنى فى مصر وليبيا.
تقطع السيارة
المسروقة ما يزيد على 1650 كيلومترا من بنغازى إلى رفح ثم غزة، وما يزيد
على 420 كيلومترا تقطعها مثيلتها المسروقة من القاهرة والجيزة. وفيما كان
ملايين الشباب ينتظرون جنى ثمار الثورات العربية التى لم تكتمل بعد كان
العشرات من أعضاء مافيا دولية لسرقة وتهريب السيارات يجنون بالفعل ملايين
الدولارات من تجارتهم الحرام بين الدول العربية الثلاث. ورصدت «المصرى
اليوم» فى جولتها رحلة سير السيارات المسروقة بالمستندات وشهادات ضحايا
وتجار وأفراد من عصابات التهريب.
1800 متر، قطعها محمد ماهر، زاحفا
تحت عمق 15 مترا تحت الأرض عبر نفق يخترق الحدود المصرية إلى غزة حيث قضى
15 يوما فى القطاع المحاصر باحثاً عن بارقة أمل تعيد له سيارته، دون جدوى،
رغم نجاحه فى التوصل إلى أغلب تفاصيل رحلة سرقتها بدءاً من تأجيرها من قبل
مافيا دولية مروراً بعقود الملكية المزورة التى حصلت من خلالها على تراخيص
رسمية من إدارة مرور غزة.
محمد ماهر، واحد من 13 ألف مصرى سرقت
سياراتهم خلال الأشهر الستة الماضية وأثناء فترة الانفلات الأمنى، تم
تهريب معظمها إلى غزة عبر أنفاق، خاصة لتهريب السيارات، وبينما نملك فى
مصر الإحصاءات والأرقام الرسمية التى تكشف حجم المشكلة، فإن الوضع فى
ليبيا مختلف تماماً فلا أحد هناك يعرف بالضبط عدد السيارات التى سرقت
أثناء الثورة، ورغم تأكيد «على العيساوى» مسؤول ملف العلاقات الخارجية فى
المجلس الانتقالى الليبى «ربما يتجاوز الرقم 15 ألف سيارة فإننا لا نملك
حصراً كاملاً بها وكل ما تحت أيادينا يتعلق بسرقة 3 آلاف سيارة من ميناء
(درنة) فى ظل الانفلات الذى وقع إبان ثورة 17 فبراير».
وحسب أرقام
غير رسمية فإن حوالى 3 آلاف سيارة دخلت شوارع غزة الضيقة خلال الأشهر
الماضية. وتجرى أجهزة الإنتربول تحقيقات موسعة بالتنسيق مع أجهزة الأمن فى
مصر وغزة والأردن لإلقاء القبض على عائلة «علقم» الأردنية التى شكلت واحدة
من أكبر عصابات سرقة وتهريب السيارات عبر الأنفاق إلى غزة.
بداية
الخيط للإيقاع بالمافيا الأردنية كانت من تاجر السيارات المصرى محمد ماهر
الذى قام بتأجير سيارته «إلانترا» فى مطلع مارس الماضى، لمدة 10 أيام لرجل
الأعمال الأردنى أحمد عيسى علقم. ويقول ماهر «بعد انتهاء مدة الإيجار لم
تعد السيارة ولم يظهر مستأجرها الأردنى، اتصلت به على هاتفه المصرى فوجدته
مغلقا، اتصلت به على هاتفة الأردنى فرد على وفاجأنى بقوله: أنا فى فلسطين
وسيارتك فى غزة إذا أردت الحصول عليها تعالى إلى وخذها».
يتذكر محمد
ماهر تفاصيل ما حدث قائلا «ذهبت إلى قسم شرطة العمرانية لكنهم رفضوا تحرير
محضر بسبب حالة الانفلات الأمنى الرهيبة وقتها، وقال لى الضابط: ابحث عن
سيارتك بنفسك، وكانت بداية الفكرة، نعم سأحصل على سيارتى بنفسى، وكان لى
صديق يمتلك مكتب تأجير سيارات وسرقت منه واحدة فى العريش أخذها ملثمون
واختفوا، وقررنا أن نجد سياراتنا بأنفسنا.. وبواسطة صديق فلسطينى دخلت غزة
عبر نفق تحت الأرض، زحفنا لمسافة 1800 متر، بمجرد وصولنا اتجهنا إلى هيئة
الحدود الفلسطينية وبالكشف على السيارتين اكتشفنا وجودهما فى قطاع غزة بعد
بيعهما بعقود بيع مزورة بطريقة عبقرية، فى البداية زوروا عقد بيع السيارة
منى لشخص فى الزقازيق ومنه بيعت لشخص آخر فى الإسماعيلية بأختام وأوراق
مزورة أيضا ومنه إلى فلسطينى من غزة، هناك اكتشفت وجود 12 سيارة مسروقة من
الشوارع المصرية يملكها أصدقاء لى يعملون فى تجارة السيارات أيضاً».
وينهى
ماهر حديثه بالقول: الشرطة الفلسطينية قالت لنا إن كل تلك السيارات
المسروقة دخلت بواسطة مافيا أردنية فلسطينية مصرية تتزعمها عائلة «علقم»
بمشاركة فلسطينيين من غزة وبدو من سيناء.
تشير المعلومات إلى أن
عائلة «علقم» وعصاباتها نجحت فى تهريب 97 سيارة إلى غزة. والعائلة حسب
معلومات الإنتربول الفلسطينى تعيش بين بيت لحم فى رام الله والأردن، وهى
مطلوبة قضائياً فى كل من الأردن ورام الله ومصر وغزة، هذا ما يؤكده العقيد
علاء عايش، مدير إدارة الإنتربول الفلسطينى، قائلاً: «هناك ملف ضخم من
التحقيقات المفتوحة لبحث مصير مئات السيارات التى دخلت غزة، ولم تصل أى
شكوى حكومية رسمية إلى السلطات الفلسطينية من نظيرتها الليبية حتى الآن،
لكن وصلتنا 12 شكوى فردية من مصريين سرقت سياراتهم وأرسلوا إلينا لنبحث
عنها، هذا غير 60 بلاغاً رسمياً من السلطات المصرية لم نجد منها بعد
التحقيقات سوى 20 سيارة فقط، وجار التحقيق حالياً فى إجراءات دخولها
للقطاع، وقد اكتشفنا من تحقيقاتنا التى ما زالت أولية أن هناك عصابات
متركزة فى شمال سيناء تعمل بالتعاون مع عصابات أردنية فلسطينية خاصة عائلة
«علقم» المكونة من 4 أشقاء وسيدة كونوا فيما بينهم وأفراد من بدو سيناء
شركات وهمية لإدخال السيارات المسروقة إلى غزة بعد تزوير أوراقها فى رفح
المصرية».
لم ينف مدير الإنتربول الفلسطينى دخول آلاف السيارات إلى
القطاع المحاصر عبر الأنفاق من مصر قائلا «لا تسألونا عن كل تلك السيارات
لكن اسألوا عن السبب فى إدخالها بهذه الطريقة.. منذ عدة سنوات ونحن ممنوع
علينا ركوب سيارات حديثة بعد أن منعت إسرائيل دخولها».
وإذا كان
مدير الإنتربول الفلسطينى يتحدث عما لا يزيد على 72 بلاغاً مصرياً بين
حكومى وشخصى، فإن العميد مجدى الشافعى، مدير الإنتربول المصرى، يقدر عدد
السيارات التى تم تهريبها إلى غزة بـ 1200 حسب المعلومات الأولية على
اعتبار أنه ليس كل ما يسرق يتم تهريبه، ويقول الشافعى «ليس لدينا سوى 30
بلاغاً رسمياً فقط».
وأضاف «الإنتربول المصرى أرسل ملفات إلى غزة
بالسيارات التى يشتبه بأنها هربت إلى الجانب الفلسطينى، وهناك تعاون قوى
وتفاهم من قبلهم فقد أخطرونا أنهم وضعوا مواصفات السيارات على قاعدة
البيانات لديهم تمهيدا لضبطها حال ترخيصها».
ويقول العميد مجدى
الشافعى «الإنتربول الفلسطينى أبلغنا بضبط 10 سيارات ويجرى حاليا العمل
على إجراءات تسليمها، وتمت الموافقة على تسليم سيارتين فقط منها حتى الآن،
ولكن لم يتم الانتهاء من إجراءات تسليمهم فى مصر رغم انتهاء كامل
الإجراءات فى الجانب الفلسطينى وسأرسل خطابات تفيد الموافقة على رد هاتين
السيارتين».
إحدى السيارتين مرسيدس يمتلكها رمضان عويضة سرقت منه عن
طريق السطو المسلح عليه أثناء سيره على الدائرى ليلا. وذهب رمضان عويضة
إلى غزة بحثاً عن سيارته ووجدها عن طريق البحث فى سجلات المرور والرقابة
العامة فى فلسطين، واكتشف بيعها لتاجرين، ثم إلى مشتر فلسطينى يدعى يوسف
أبوجزر. وتقدم عويضة بالمستندات التى تثبت ملكية للسياراة»، ويقول «صرفت
25 ألف جنيه بحثاً عن سيارتى واكتشفت أن المشترى الفلسطينى على علاقة
بالمهرب المصرى ورفض إحضاره لنا وأصر على تحملنا تكلفة تهريب السيارة
ومرورها عبر النفق وتبلغ 8 آلاف دولار لكنى رفضت ثم اضطررت للموافقة بعد
ذلك، واشترطت أن يكون هذا المبلغ بإيصال لصالح هيئة الحدود الفلسطينية
نظير رسوم دخول السيارة بعد مباحثات مع مسؤولين فى غزة وشيوخ من القبائل
الفلسطينية والمصرية».
ويؤكد عويضة أن سيارته المرسيدس موديل 2008
بيعت بـ 28 ألف دولار فيما يبلغ سعرها الحقيقى 85 ألف دولار. ويستكمل
عويضة روايته قائلا «أنهيت كامل إجراءات تسليم سيارتى من قبل الجانب
الفلسطينى ووافقوا على ردها، بعد فحص أوراقها، لكن الجانب المصرى رفض
تسلمها بالمعبر وأعادها للجانب الفلسطينى مجدداً، رغم فحص الأوراق والتأكد
من سلامتها قبل أكثر من شهر وسيارتى تحت الطلب لدى الجانب الفلسطينى،
وتقدمت بالعديد من الشكاوى لدى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس
الوزراء والداخلية والنائب العام لكن حتى الآن لم تعد سيارتى المسروقة».